فصل: تفسير الآية رقم (16):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (8- 9):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَاْن ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [8- 9].
{وَإِذَا مَسَّ} أي: أصاب: {الْإِنْسَاْن ضُرٌّ} أي: شدة وبلاء: {دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} أي: ابتهل إليه برفع الشدة والبلاء عنه، مقبلاً إليه بالدعاء والتضرع: {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ} أي: أعطاه: {نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} أي: نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه من قبل النعمة. وقيل: نسي ربه الذي كان يتضرع إليه، ويبتهل إليه. فما بمعنى من، أقيمت مقامها لقصد الدعاء الوصفي، ولِمَا في ما، من الإبهام والتفخيم {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ} أي: يصد الناس عن دينه وطاعته: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ} أي: عش به: {قَلِيلاً} أي: يسيراً في الدنيا.
{إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً} أي: متعبداً في ساعاته يقطعها في السجود والقيام: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} أي: عقابها: {وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} أي: جنته ورضوانه، أي: أهذا أفضل أم ذاك الكافر الجاحد الناسي لربه؟: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} أي: توحيده، وأمره، ونهيه في الثواب والطاعة: {وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} أي: لا يستويان.
تنبيهات:
الأول- في الآية استحباب قيام الليل. قال ابن عباس: آناء الليل: جوف الليل. وقال الحسن: ساعاته أوله، ووسطه، وآخره.
الثاني- في قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ردّ على من ذم العبادة خوفاً من النار، أو رجاءً الجنة. وقال صلّى الله عليه وسلم «حولها ندندن».
الثالث- في قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي} الآية مدح العلم، ورفعة قدره، وذم الجهل، ونقصه. وقد يستدل به على أن الجاهل لا يكافئ العالمة، كما أنه لا يكافئ بنت العالم، أفاده في الإكليل.
وفي الآية أيضاً إشعار بأن الذين يعلمون هم العاملون بعلمهم؛ إذ عبر عنهم أولا بالقانت، ثم نفى المساواة بينه وبين غيره، ليكون تأكيداً له، وتصريحاً بأن غير العالم كأن ليس بعالم.
قال القاشاني: وإنما كان المطيع هو العالم، لأن العلم هو الذي رسخ في القلب، وتأصل بعروقه في النفس، بحيث لا يمكن صاحبه مخالفته، بل سيط باللحم والدم، فظهر أثره في الأعضاء لا ينفك شيء منها عن مقتضاه، وأما المرتسم في حيز التخيل، بحيث يمكن ذهول النفس عنه، وعن مقتضاه، فليس بعلم. إنما هو أمر تصوري وتخيل عارض لا يلبث، بل يزول سريعاً، لا يغذو القلب، ولا يسمن، ولا يغني من جوع: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} أي: يتعظ بهذا الذكر: {أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} أي: العقول الصافية عن قشر التخيل والوهم، لتحققها بالعلم الراسخ الذي يتأثر به الظاهر، وأما المشوبة بالوهم فلا تتذكر ولا تتحقق بهذا العلم ولا تعيه.

.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [10].
{قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} أي: للذين أحسنوا بالطاعات في الدنيا، مثوبة حسنة في الآخرة، لا يكتنه كنهها: {وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ} أي: بلاده كثيرة. فمن تعسر عليه التوفر على الإحسان في وطنه، فليهاجر إلى حيث يتمكن منه. قال الشهاب: وجه إفادة هذا التركيب هذه المعاني الكثيرة، أوضحه شراح الكشاف بأن قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} مستأنف لتعليل الأمر بالتقوى، ولذا قيد بالظرف؛ لأن الدنيا مزرعة الآخرة، فينبغي أن يلقى في حرثها بذر المثوبات. وعقّب بهذه الجملة لئلا يعتذر عن التفريط بعدم مساعدة المكان، ويتعلل بعدم مفارقة الأوطان، فكان حثّاً على اغتنام فرصة الأعمار، وترك ما يعوق من حب الديار، والهجرة فيما اتسع من الأقطار، كما قيل:
إِذَاْ كَاْنَ أَصْلِيْ مِنْ تُرَاْبٍ فَكُلُّهَا ** بِلَاْدِيْ وَكُلُّ الْعَاْلِمِيْنَ أَقَاْرِبِي

انتهى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ} أي: على مشاق الطاعة من احتمال البلاء، ومهاجرة الأوطان لها: {أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: بغير مكيال، تمثيل للكثرة.

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} [11].
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} أي: عن الالتفات إلى غيره.

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} [12].
{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} أي: وأمرت بذلك، لأجل أن أكون مقدمهم في الدنيا والآخرة؛ لأن إخلاصه صلّى الله عليه وسلم أتم من إخلاص كل مخلص. وعلى هذا، فالأولية في الشرف والرتبة، أو لأنه أول من أسلم وجهه لله من أمته. فالأولية زمانية على ظاهرها. ويجوز أن تجعل اللام مزيدة. كما في: أردت لأن أفعل. فيكون أمراً بالتقدم في الإخلاص.

.تفسير الآيات (13- 14):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي} [13- 14].
{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} أي: بترك الإخلاص له: {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ} أي: أخصه بالعبادة: {مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي} عن شوب الغير.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [15].
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: أهلكوا أنفسكم بالضلال، وأهليهم بالإضلال، وخسروا أنفسهم بالهلاك وأهليهم به أيضاً، إن كانوا مثلهم، أو بفقدهم فقداً لا اجتماع بعده، إن كانوا من أهل الجنة: {أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [16].
{لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} أي: أطباق من النار: {ذَلِكَ} أي: العذاب المتوعد به: {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} أي: بعدم التعرض لما يوجب السخط. قال الزمخشري: وهذه عظة من الله تعالى، ونصيحة بالغة.

.تفسير الآيات (17- 19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} [17- 19].
{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} يعني الأوثان. وفعلوت للمبالغة: {وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} أي: بالثواب: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أي: أيثاراً للأفضل واهتماماً بالأكمل. قال الزمخشري: أراد أن يكونوا نقاداً في الدين، يميزون بين الحسن والأحسن والفاضل والأفضل، ويدخل تحته المذاهب واختيار أثبتها على السبك، وأقواها عند السبر، وأبينها دليلاً وأمارة، وأن لا تكون في مذهبك كما قال القائل:
وَلَاْ تَكُنْ مِثْلَ عِيْرٍ قِيْدَ فَانْقَاْدَا

يريد المقلد. انتهى ويدخل تحته أيضاً إيثار الأفضل من كل نوعين، اعتراضاً، كالواجب مع الندب، والعفو مع القصاص، والإخفاء مع الإبداء في الصدقة، وهكذا: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ} أي: أفأنت تنقذه منها؟ أي: لا يمكن إنقاذه أصلاً.

.تفسير الآيات (20- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ} [20- 21].
{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} أي: يتم جفافه: {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً} أي: فتاتاً: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ} أي: لتذكيراً وتنبيهاً على أنه لابد من صانع حكيم، وأن ذلك كائن عن تقدير وتدبير، لا عن تعطيل وإهمال. ويجوز أن يكون مثلاً للدنيا كقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس: 24]، {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 45]، أفاده الزمخشري.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [22].
{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ} أي: وسعه لتسليم الوجه إليه وحه، ولقبول دينه، وشرعه بلطفه، وعنايته، وإمداده سبحانه: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} أي: على بينة ومعرفة، واهتداء إلى الحق، واستعارة النور للهدى والعرفان، شهيرة، كاستعارة الظلمة لضد ذلك. وخبر من محذوف دلّ عليه قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ} أي: من قبول ذكره لشدة ميلها إلى اللذات البدنية، وإعراضها عن الكمالات القدسية، أو من أجل ذكره، فمن للتعليل والسببية.. وفيها معنى الابتداء لنشئها عنه. قال الشهاب: إذا قيل: قسا منه، فالمراد أنه سبب لقسوة نشأت منه. وإذا قيل: قسا عنه، فالمعنى أن قسوته جعلته متباعداً عن قبوله، وبهما ورد استعماله. وقد قرئ بعن، في الشواذ. لكن الأول أبلغ؛ لأن قسوة القلب تقتضي عدم ذكر الله، وهو معناه إذا تعدى بعن. وذكره تعالى مما يلين القلوب. فكونه سبباً للقسوة، يدل على شدة الكفر الذي جعل سبب الرقة، سبباً لقسوته: {أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} أي: عن طريق الحق.

.تفسير الآية رقم (23):

القول في تأويل قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [23].
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً} أي: يشبه بعضه بعضاً. في الصحة، والإحكام، والبناء على الحق، والصدق، ومنفعة الخلق، ووجوه الإعجاز: {مَّثَانِيَ} جمع مثنى بمعنى مردد ومكرر، لما ثنى من قصصه، وأنبائه، وأحكامه، وأوامره، ونواهيه، ووعده، ووعيده، ومواعظه: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} تمثيل لإفراط خشيتهم، أو حقيقة لتأثرهم عند سماع آياته، وحكمه، ووعيده، بما يرد على قلوبهم منها: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أي: بالانقياد، والطاعة، والسكينة لأمره: {ذَلِكَ} أي: الكتاب، أو الكائن من الخشية والرجاء: {هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ} أي: من زاغ قلبه: {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

.تفسير الآية رقم (24):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [24].
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: فمن يجعل وجهه وقاية لشدة العذاب ذلك اليوم، أي: قائماً مقامها في أنه أول ما يمسه المؤلم له؛ لأن ما يتقى به هو اليدان، وهما مغلولتان. ولو لم تغلا كان يدفع بهما عن الوجه؛ لأنه أعز أعضائه. وقل: الاتقاء بالوجه كناية عن عدم ما يتقى به؛ لأن الوجه لا يتقى به. وخبر من محذوف كنظائره. أي: كمن أمن العذاب: {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} أي: وباله.

.تفسير الآية رقم (25):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} [25].
{كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ} أي: لا يحتسبون أن الشر يأتيهم منها.

.تفسير الآيات (26- 27):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [26- 27].
{فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي: الذل والصغار: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ} أي: بيّنا لهم في هذا القرآن، الذي هو دليل في نفسه من إعجازه، من كل مثل يحتاج إليه. من يستدل بنظره على حقيته وأحقيته: {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي: به ما يهمهم من أمور دينهم، وما يصلحهم من شؤون سعادتهم. فيفسروا المعقول بالمحسوس.